الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال أبو حيان: .قال الفخر: فالنوع الأول: قوله: {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} فيحتمل أن يكون المعنى أنه يحصل لهم خير الدنيا والآخرة، ويحتمل أن يكون المعنى المبالغة والترجيح، وهو أن ذلك أنفع لهم وأفضل من غيره، لأن قولنا: خير يستعمل على الوجهين جميعا. النوع الثاني: قوله: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} وفيه وجوه: الأول: أن المراد أن هذا أقرب إلى ثباتهم عليه واستمرارهم، لأن الطاعة تدعو إلى أمثالها، والواقع منها في وقت يدعو إلى المواظبة عليه. الثاني: أن يكون أثبت وأبقى لأنه حق والحق ثابت باق، والباطل زائل. الثالث: أن الإنسان يطلب أولا تحصيل الخير، فإذا حصله فإنه يطلب أن يصير ذلك الحاصل باقيا ثابتا، فقوله: {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} إشارة إلى الحالة الأولى، وقوله: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} إشارة إلى الحالة الثانية. اهـ. .قال الألوسي: .قال أبو حيان: وقال ابن عطية: ولو أن هؤلاء المنافقين اتعظوا وأنابوا لكان خيرًا لهم، وتثبيتًا معناه يقينًا وتصديقًا انتهى. وكلاهما شرح ما يوعظون به بخلاف ما يدل عليه الظاهر. لأنّ الذي يوعظ به ليس هو اتباع الرسول وطاعته، وليس مدلول ما يوعظون به اتعظوا وأنابوا، وقيل: الوعظ هنا بمعنى الأمر أي: ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به فانتهوا عما نهوا عنه. وقال في ري الظمآن: ما يوعظون به أي: ما يوصون ويؤمرون به من الإخلاص والتسليم. وقال الراغب: أخبر أنهم لو قبلوا الموعظة لكان خيرًا لهم. وقال أبو عبد الله الرازي: المراد أنهم لو فعلوا ما كلفوا به وأمروا، وسمي هذا التكليف والأمر وعظًا، لأن تكاليف الله تعالى مقرونة بالوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، والثواب والعقاب، وما كان كذلك فإنه يسمى وعظًا. وقال الماتريدي: وقيل ما يوعظون به من الأمر من القرآن. وهذه كلها تفاسير تخالف الظاهر، لأن الوعظ هو التذكار بما يحل بمن خالف أمر الله تعالى من العقاب، فلموعظ به هي الجمل الدالة على ذلك، ولا يمكن حمله على هذا الظاهر، لأنهم لم يؤمروا بأنْ يفعلوا الموعظ به، وإنما عرض لهم شرح ذلك بما خالف الظاهر، لأنهم علقوا به بقوله: {ما يوعظون}، على طريقة ما يفهم من قولك: وعظتك بكذا، فتكون الباء قد دخلت على الشيء الموعظ به وهي الجملة الدالة على الوعظ. أما إذا كان المعنى على أنّ الباء للسببية فيحمل إذ ذاك اللفظ على الظاهر، ويصح المعنى، ويكون التقدير: ولو أنهم فعلوا الشيء الذي يوعظون بسببه أي: بسبب تركه. ودلّ على حذف تركه قوله: {ولو أنهم فعلوا}. ويبقى لفظ يوعظون على ظاهره، ولا يحتاج إلى ما تأولوه. اهـ. .قال ابن عاشور: وممّا دلّ على أنّ المراد بالخير خير الدنيا، وبالتثبيت التثبيت فيها، قوله عاطفًا عليه {وإذن لآتيناهُم من لَدُنَّا أجرًا عظيمًا}. اهـ. .قال الفخر: قال صاحب الكشاف: وإذًا جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا يكون من هذا الخير والتثبيت. فقيل: هو أن نؤتيهم من لدنا أجرًا عظيما، كقوله: {وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]. وأقول: إنه تعالى جمع في هذه الآية قرائن كثيرة، كل واحدة منها تدل على عظم هذا الأجر. أحدها: أنه ذكر نفسه بصيغة العظمة وهي قوله: {ءاتيناه} وقوله: {مّن لَّدُنَّا} والمعطي الحكيم إذا ذكر نفسه باللفظ الدال على عظمة عند الوعد بالعطية دل ذلك على عظمة تلك العطية، وثانيها: قوله: {مّن لَّدُنَّا} وهذا التخصيص يدل على المبالغة، كما في قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]. وثالثها: أن الله تعالى وصف هذا الأجر بالعظيم، والشيء الذي وصفه أعظم العظماء بالعظمة لابد وأن يكون في نهاية الجلالة، وكيف لا يكون عظيما، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». اهـ. .قال الألوسي: قال المحققون: إنه جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: وماذا يكون لهم بعد التثبيت؟ فقيل: وإذًا لو ثبتوا لآتيناهم وليس مرادهم أنه جواب لسؤال مقدر لفظًا ومعنى، وإلا لم يكن لاقترانه بالواو وجه، أو إظهار (لو) ليس لأنها مقدرة بل لتحقيق أن ذلك جواب للشرط لكن بعد اعتبار جوابه الأول، والمراد بالجواب في قولهم جميعًا: إن إذًا حرف جواب دائمًا أنها لا تكون في كلام مبتدأ بل هو في كلام مبني على شيء تقدمه ملفوظ، أو مقدر سواء كان شرطًا، أو كلام سائل، أو نحوه كما أنه ليس المراد بالجزاء اللازم لها، أو الغالب إلا ما يكون مجازاة لفعل فاعل سواء السائل وغيره، وبهذا تندفع الشبه الموردة في هذا المقام، وزعم الطيبي أن ما أشرنا إليه من التقدير تكلف من ثلاثة أوجه وهو توهم منشأه الغفلة عن المراد كالذي زعمه العلامة الثاني فتدبر. اهـ. .قال ابن عاشور: وأمّا واو العطف فلوصل الجملة المعطوفة بالجملة المعطوف عليها. وأمّا (إذَنْ) فهي حرف جواب وجزاء، أي في معنى جواب لكلام سبقها ولا تختصّ بالسؤال، فأدخلت في جواب (لو) بعطفها على الجواب تأكيدًا لمعنى الجزاء، فقد أجيبت (لو) في الآية بجوابين في المعنى لأنّ المعطوف على الجواب جواب، ولا يحسن اجتماع جوابين إلاّ بوجود حرف عطف. وقريب ممّا في هذه الآية قول العنبري في الحماسة: قال المرزوقي: يجوز أن يكون (إذن لقام) جواب: (لو كنتُ من مازن) في البيت السابق كأنّه أجيب بجوابين. وجعل الزمخشري قوله: {وإذن لآتيناهم} جواب سؤال مقدّر، كأنّه: قيل وماذا يكون لهم بعد التثبيت، فقيل: وإذن لآتيناهم. قال التفتازاني: على أن الواو للاستئناف، أي لأنّ العطف ينافي تقدير سؤال. والحقّ أنّ ما صار إليه في [الكشّاف] تكلّف لا داعي إليه إلاّ التزام كون (إذن) حرفًا لِجواب سائل، والوجه أنّ الجواب هو ما يتلقّى به كلام آخر سواء كان سؤالًا أو شرطًا أو غيرهما. اهـ. .قال الفخر: أحدهما: أن الصراط المستقيم هو الدين الحق، ونظيره قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ صراط الله} [الشورى: 52، 53]. والثاني: أنه الصراط الذي هو الطريق من عرصة القيامة، وذلك لأنه تعالى ذكره بعد ذكر الثواب والأجر، والدين الحق مقدم على الثواب والأجر، والصراط الذي هو الطريق من عرصة القيامة إلى الجنة إنما يحتاج إليه بعد استحقاق الأجر، فكان حمل لفظ الصراط في هذا الموضع على هذا المعنى أولى. اهـ. .قال الألوسي: .قال ابن عاشور:
|